هذه الليلة إن صَحَّت فيها الصِّلة، وصحّ فيها الإقبال، وصحّ فيها الدّعاء، خيرٌ من أن تعبد الله ثمانين عامًا عبادة جوفاء، ليلة القدر خير من ألف شهر. ولها خير كثير، وليس استجابة الدّعاء فقط، ففي الصّحيحين أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”. وليلة القدر كما هو معلوم تكون في العشر الأواخر من رمضان، قال صلّى الله عليه وسلّم: ”التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى” رواه البخاري. وفي هذه اللّيلة المباركة تهبط الملائكة وجبريل عليهم السّلام من كلّ سماء، ومن سِدرة المُنتهى، فينزلون إلى الأرض ويُؤَمِّنون على دعاء النّاس، إلى وقت طلوع الفجر. فعلى المسلم أن يستغل هذه الفرصة المباركة فيقوم ليلتها ويكثر من الدّعاء والتّوبة والاستغفار وتلاوة القرآن والذِّكر وسائر العبادات، وبركة هذه اللّيلة تستمر من غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، كما بيَّن ذلك أهل التّفسير. قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن: [إنّ ليلة القدر هي كلّها خيرٌ وبركة]، وقال صاحب الدر المنثور عند تفسير قول الله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر:5، قال: [وذلك من غروب الشّمس إلى أن يطلع الفجر]، وقال العلاّمة الطبري: [سلام ليلة القدر من الشرّ]. قال مطرف بن عبد الله: تذاكرت: ما جماع الخير؟ فإذا الخير كثير الصّيام والصّلاة، وإذا هو في يد الله تعالى، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلّا أن تسأله فيُعطيك، فإذا جماع الخير الدّعاء. وكل الأعمال الصّالحة وسيلة موصلة للفوز بفضل ليلة القدر وثوابه، إلّا أنّ النّصوص الشّرعية نبّهت على وسيلتين مهمّتين لتَحصيل ثواب هذه اللّيلة المباركة، الأولى هي صلاة القيام، حيث قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”. والثانية هي الدّعاء، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمّا سألته عن الدّعاء في ليلة القدر: ”قولي: اللّهمّ إنّك عَفُوٌ كريمٌ تُحِبُّ العفوَ فاعْفُ عنّي”.
وعليه، فليلة القدر ليست لحظة معيّنة كما هو وارد في ساعة الإجابة من يوم الجمعة وإنّما اللّيلة كلّها محلّ للدّعاء ولسائر العبادة. والعمل والاجتهاد في هذه اللّيلة بالأعمال الصّالحات أفضل من العمل في ألف شهر ممّا سواها، وفي الصّحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”كان إذا دخل العشر أحيا اللّيل وأيقظ أهله وشدّ مئزره”. وفي الصّحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن وافقتُ ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي ”اللّهمّ إنّك عَفُوٌ تُحِبُّ الْعَفْوُ فَاعْفُ عَنِّي”. وليلة القدر ساعات قليلة تمُرّ سريعًا، فعلى المسلم أن يدعو بما يُريد من الأدعية، وله أن يرفع إلى الله تعالى حاجته فيما يشاء، سواء أكانت من أمر الدّنيا أو من أمر الآخرة، مع الالتزام بآداب الدّعاء، كأن يطلب المغفرة وسؤال الجنّة والنّجاة من النّار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق