الاثنين، 9 يونيو 2014

نظرية التطور بين العلم والإيمان



دار جدل كبير حول هذه النظرية وأظهر العلماء تعارضاً مع الدين، ولكن ما هي حقيقة الأمر، وهل تتفق هذه النظرية مع القرآن، وماذا لو أصبحت حقيقة علمية؟!....



لقد شغلتني هذه النظرية منذ عشرين عاماً فدرستها وتأملتها وقرأتُ أقوال علماء الغرب من الملحدين المؤيدين لهذه النظرية، وقرأت أقوال علمائنا المسلمين الذين يرون أنها تتناقض مع تعاليم القرآن والسنة المطهرة، وإليكم أحبتي في الله ملخص ما وصلتُ إليه من نتائج، وأرجو أن تكون مقنعة للجميع. وأود أن أؤكد في البداية أن الله تعالى قد خلق سيدنا آدم من تراب وبشكل مستقل عن بقية المخلوقات التي يمكن أن تكون قد تطورت أو تغيرت أشكالها عبر ملايين السنين، وقد نفخ الله تعالى فيه من روحه وكرّمه وأسكنه جنته، وهذه حقيقة ثابتة ينبغي عدم مناقشتها لأن العلم مهما تطور لن يصل إلى حقيقة خلق آدم كما ذكرها القرآن الكريم، يقول تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122].

في البداية نعطي فكرة عن نظرية التطور من الناحية العلمية

لاحظ كثير من العلماء التشابه بين المخلوقات منذ زمن الجاحظ وابن خلدون وكثير من علماء المسلمين، ولكن في منتصف القرن الثامن عشر نشر الباحث اليهودي الأصل تشارلز دارون نظريته حول تطور الكائنات الحية بأسلوب علمي في كتاب بعنوان: أصل الأنواع (عام 1859).

وتعتمد فكرة نظرية التطور (الحديثة) ببساطة على أن جميع المخلوقات نشأت بالتدريج من خلية واحدة، وبفعل "المصادفة" وتوافر الشروط الفيزيائية من درجة حرارة ورطوبة وهواء... تكاثرت هذه الخلايا وتولّد عنها سلسلة من المخلوقات بدءاً من النباتات وانتهاء بالإنسان. وقد لاحظ داروين التشابه الكبير بين المخلوقات وهذا ما دعاه لطرح النظرية.

والذي يتأمل هذه النظرية بشيء من التعمق، يلاحظ أن كلمة المصادفة والطبيعة والاصطفاء الطبيعي تتكرر كثيراً، ولا نجد أثراً لكلمة "خالق" أو ما يشير إلى مسبب لهذه السلسلة، وهذه أهم نقطة ضعف في النظرية.

فالخالق تبارك وتعالى صمّم الدماغ البشري على ألا يتقبل فكرة المصادفة، أو فكرة الخلق العشوائي، ولابد من وجود سبب لكل شيء يراه الإنسان من حوله. وهذه النظرية بقيت وستبقى دون دليل علمي لأنها تنكر وجود الخالق الحكيم سبحانه وتعالى.

هل أصل الإنسان من القردة؟


لقد تجنب داروين طرح هذه الفكرة مع أنه يشير إليها بشكل غير مباشر، إذ أن جميع المخلوقات تولدت من بعضها بفعل التطور الطبيعي بمرور ملايين السنين. وهذه الفكرة رفضها رجال الدين اليهودي والمسيحي في عصره لأنها تناقض تعاليم الإنجيل والتوراة.

ولكن ماذا عنا نحن المسلمين؟

نقول دائماً: إننا كمسلمين نعتقد أن كل ما جاء في كتاب الله جل وعلا، هو الحق وهو الصدق وهو الحقيقة المطلقة، أما النظريات العلمية فتتغير مع تطور العلوم ومرور الزمن. ولذلك نعتبر نظرية التطور على أنها غير ثابتة حتى تصبح حقيقة علمية، ويمكن أن نقول إن النظرية غير مكتملة بعد وتعاني من ضعف وأخطاء ونقص واضح.

فالله تعالى خلق الإنسان من تراب، فهذه حقيقة يقينية لا ريب فيها، ولكن الكيفية كجهولة بالنسبة لنا، فالله تعالى لم يخبرنا كيفية الخلق والمراحل التي مرّ بها خلق سيدنا آدم عليه السلام. يقول تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف: 51].

هذه الآية تؤكد أن كل ما يقوله العلماء حول نشوء الإنسان وخلقه هو محاولات قد تصيب وقد تخطئ، ولا نجد الحقيقة الكاملة إلا في النظريات التي تتفق مع كتاب الله عز وجل. ونحن لا ننكر وجود تطور في عالم المخلوقات ولكن ليس بالشكل الذي ينادي به التطوريون.



تأملوا معي هذا التركيب المعقد لهذه الحشرة! إنها تعمل بتناسق محكم، فلا تصطدم أرجلها ببعض على الرغم من كثرة المفاصل وسرعة الحركة. هذه الحشرة لها قدرة على الرؤية تتفوق على الإنسان! فهي تعالج المعلومات القادمة لعيونها المركبة وتحللها خلال أجزاء من الثانية وتتخذ القرار المناسب من أجل اصطياد فريستها... سبحان الله، هل هذه الميزات جاءت بالمصادفة دون مسبب حكيم عليم؟!

من مساوئ نظرية التطور

في خبر علمي على موقع CNN جاء:

ذكر الصحفي والكاتب البريطاني دينيس سيويل، أن الأفكار العلمية حول نشوء وارتقاء الكائنات الحية، التي قدمها العالم تشارلز داروين، كانت عرضة للتشويه التاريخي من قبل رجال السياسة، الذين قاموا باستغلال ما جاء فيها لأهداف يمكن وصف بعضها بأنه "شرير."

وبحسب سيويل، الذي أصدر مؤخراً كتاباً يحمل عنوان: "الجينات السياسية: كيف غيّرت أفكار داروين أسس السياسة"، بمناسبة ذكرى مرور 200 عام على ولادة دارين، فإن أبرز النقاط السلبية التي استخدمتها السياسة، تمثلت في التصنيفات العرقية التي وضعها داروين.

وقال الكاتب البريطاني: "لقد تم تصوير داروين على أنه رجل عجوز لطيف يجول دائماً في حديقة منزله، لكن الحقيقة مختلفة تماماً. لقد قام داروين بوضع فكرة مفادها أن الأعراق البشرية المختلفة تطورت بشكل منفصل، ما أدى إلى فروقات بينها، فقام بوضع العرق القوقازي الأبيض على رأس قائمة الرقي البشري، في حين وضع السود وأصحاب البشرة الداكنة في أسفلها، كذلك اعتبر الفقراء طبقة أدنى."

وأقر "سيويل" بأن العنصرية كانت سائدة في المجتمع البريطاني في القرن الثامن عشر، وهو أمر لا يتحمل داروين مسؤوليته، إنما تكمن خطورة أفكاره في أنه قدّم تفسيرات علمية لهذا النوع من التفرقة العرقية.

يؤكد الباحث سيويل أن بعض المجازر الجماعية جرت بتأثير من فلسفة أفكار دارون، وبينها على سبيل المثال قيام شاب فنلندي عام 2007 بقتل ثمانية من رفاقه في المدرسة الثانوية، إذ وجد المحققون لاحقاً مدونات كتب فيها: إن الأغبياء والضعفاء يتكاثرون بسرعة تفوق سرعة الأذكياء، وهو ما يعارض نظرية "الاصطفاء الطبيعي."

ويقول سيويل: يجب أن تتم إعادة النظر في أسلوب تعليم داروين بالمدارس العامة، وذلك عبر تحديد أن البشر - على غرار الحيوانات - ينحدرون من أصول مشتركة، ولكنهم يختلفون عن سائر المخلوقات بأن لهم مزايا وصفات وحقوق مضمونة.


لم يتمكن داروين من تفسير طول عنق الزرافة، ومن أين جاء وماذا يخدم ولماذا هذا المخلوق بالذات؟ إنها أسئلة كثيرة عجزت نظرية التطور عن الإجابة عليها، وبما يؤكد أن النظرية تعاني من نقص شديد في المعلومات، بل إن نظرية التطور تحتاج لنظرية أخرى لتفسر المشاكل التي تعاني منها!

انتقادات كثيرة

هناك انتقادات كثيرة وكثيرة جداً موجهة لنظرية التطور، فالذي يقرأ هذه النظرية يلاحظ أن ذكاء المخلوقات يتطور مع تطور حجمها وصولاً إلى الإنسان، ولكن الذي أثبته العلماء أن ذلك غير صحيح!

فقد توصلت دراسة علمية إلى أن كبر حجم الدماغ لا يعتبر مقياساً لشدة الذكاء، إذ قد تتمتع حشرة صغيرة جداً بذكاء حيوانات أكبر منها حجماً بعدة أضعاف. وجاء ذلك في دورية علم الأعضاء الحديث التي نقلت عن الاختصاصي في علم الإحساس والسلوك البيئي في جامعة الملكة ماري في لندن البروفيسور "لارس شيتكا" قوله: إن الأدمغة الكبيرة ليست معقدة ولا يرى فيها سوى الدوائر العصبية ذاتها دائماً، مضيفاً أن كبر حجمها لا يعني أنها أفضل من حيث الأداء والفعالية.

ويتوافق هذا مع أبحاث سابقة ذكرت أن الإنسان قبل ملايين السنين لم يكن لديه دماغ كبير، فيما يرى آخرون أن الدماغ البشري ينكمش خلال عملية التطور والنمو. ويقول الباحثون القائمون على الدراسة إن دماغ الحوت مثلاً يزن نحو 9 كلغ في حين أن وزن دماغ الإنسان يتراوح ما بين 1.25 و1.45 كلغ ووزن دماغ النحلة 1 ميليغرام فقط وبداخله أقل من مليون خلية عصبية.

ونلاحظ أن هذه النظرية تتناقض مع نظرية التطور، فلماذا يزيد حجم الدماغ أحياناً ويتناقص أحياناً؟ وهل عثر العلماء على أحافير تعود لأول إنسان عاش على الأرض؟ وهل شاهدوا عملية بدء الخلق... لذلك تبقى هذه وتلك مجرد نظريات واجتهادات، وبالنتيجة لا يمكن معرفة الحقيقة اليقينية إلا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.



عندما ننظر إلى أي مخلوق من حولنا، وعلى سبيل المثال هذه الحمر الوحشية، نرى إبداعاً رائعاً في تركيبها ونظامها الاجتماعي ودقة فائقة في الخطوط التي تزين جلدها... إنني شخصياً لا أقتنع بأن الطبيعة الصماء هي التي قامت برسم هذه الخطوط! فإذا كنتَ أيها الملحد ترفض أن تقبل بوجود لوحة فنية مرسومة بالمصادفة، فكيف قبل عقلك أن كل هذا الإبداع في الطبيعة جاء بالمصادفة؟

بعض العلماء يؤمنون بالتطور ويعترفون بالخالق

لكي نكون منصفين ينبغي أن نعلم أن هناك عدد من العلماء يؤمنون بنظرية التطور ولا ينكرون وجود الخالق عز وجل، ومنهم الباحث "دينيس ألكساندر" في معهد فراداي، كامبردج، بريطانيا، والذي يؤكد أن التطور لا يتناقض مع وجود خالق للكون بل يؤيده.

يقول هذا الباحث:

"إن الله اختار بإرادته المطلقة أن ينفذ مشيئته والغاية التي وضعها للوجود عبر استحضار كل الأشياء الحية في سياق عملية تطورية طويلة، وإذا كان الله شاء لكل الأشياء الحية – بمن فيها نحن - أن توجد بهذه الطريقة، فمن نكون نحن لنعارض مشيئته؟

إن هذه الطبيعة المنظمة والمنضبطة للعملية التطورية تتفق مع وجود الخالق الذي أنشأ هذا الكون وما عليه لحكمة في نفسه وذلك عبر المزايا الرئيسية لعملية التطور وهي: اتجاه التاريخ التطوري، وصولا إلى زيادة التعقيد الذي توّج بالبشرية، ومن ثم الالتقاء الذي يثبت الانضباط عالي التنظيم لطبيعة العملية التطورية، وثالثا التصميم والتركيب الرائع لبنية المادة الحية".

إننا مع هذا الكاتب في أن عمليات الخلق والتطور تتم بإرادة وقدرة الله تعالى، ولكن لسنا معه بأن الإنسان مرّ بهذه المراحل من التطور، لأن الإنسان خُلق من تراب وقد خلقه الله بطريقة خاصة تختلف عن أي مخلوق آخر، لذلك ينبغي أن نفرق بين خلق كل الكائنات على الأرض وخلق الإنسان الذي جاء نتيجة إرادة إلهية وليس نتيجة التطور!

يقول تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص: 71- 79].

فلو كان خلق الإنسان جاء بنتيجة التطور لما قال تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) وهذه خصوصية للإنسان أكرمه الله بها أن خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه، وهذا لم يحدث بحق بقية الكائنات الحية، والله أعلم.

وتأملوا كيف تأتي هذه الآيات لتخبرنا بأن إبليس سيضل هؤلاء الملحدين ليكونوا معه في جهنم يوم القيامة، يقول تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وما هذا الإلحاد الذي نراه اليوم إلا من نتائج إبليس وعمله وإغوائه للناس.

وقد يقول قائل: بم تفسر التشابه الكبير بين خلايا المخلوقات، وعلى سبيل المثال هناك تشابه في الخريطة الجينية بين القرد والإنسان يبلغ أكثر من 90 بالمئة؟ ونقول الجواب بسيط وهو أن الخالق واحد سبحانه وتعالى. وما هذا التعقيد والتشابه في عالم المخلوقات إلا دليل قوي على أن الله تعالى خالق كل شيء!

من الذي علّم هذا الضفدع فن التمويه والتخفي وتغيير لون جلده بما يتناسب مع الألوان المحيطة به؟ ومن الذي أعطاه القدرة على مدّ لسانه لاصطياد الذباب بسرعة هائلة لا تدركها عين الإنسان؟ بل من الذي سخَّر له رزقه من حشرات يقتات عليها ... هل هي الطبيعة أم خالق الطبيعة عز وجلّ؟؟

الخدمات التي قدمتها النظرية


إن أجمل ما في النظرية هي بعض الحقائق اليقينية فيها، وهذه أشياء نراها ولا نشك فيها. مثلاً لا يمكن أن ننكر وجود تطور "ذكي" في الكائنات الحية، فنحن نرى التدرج في دماغ الكائنات الحية حسب نوع المخلوق، وهذا التدرج لا يمكن أن يأتي بالمصادفة إنما جاء بنظام محكم. كذلك لا يمكن أن ننكر وجود تغيرات في الجينات الوراثية داخل الخلايا، وهذه التغيرات تتم بنظام أيضاً... كذلك لا يمكن أن ننكر أن جميع خلايا الكائنات الحية متشابهة بدرجة أو بأخرى، ...

ولكن المشكلة أن نظرية التطور تؤكد على أن العملية تحدث بالمصادفة ونحن نرفض ذلك، لأن المصادفة لا يمكن أن تحدث مخلوقات ذكية وعلى رأسها الإنسان. بل إن هذا التقدير في الخلق يدل على وجود الخالق الحكيم تبارك وتعالى، وهو القائل: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62].

والتشابه في خلايا المخلوقات تدل على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى، لذلك فإن الله عز وجل يخاطب أمثال داروين وأتباعه، فيقول: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].



هذه الفراشة مثلاً تعتبر معجزة قائمة بذاتها، المضحك في نظرية التطور أن العلماء يقولون: إن هذه الفراشة طوَّرت نظاماً خاصاً يضمن لها البقاء والتخفي عن الأعداء وطورت نظاماً خاصاً بالرؤيا يضمن لها الطيران بسرعة والمناورة والتنقل من زهرة لأخرى، وطورت وطورت.... وأقول: سبحان الله! كيف تقوم هذه الفراشة بكل هذه الأشياء وتعجز أيها الملحد (وعلى الرغم من أنك تدعي الذكاء والإبداع) من أن تطور أي شيء في نظام الرؤية لديك أو أن تطور نظام السمع ...؟؟!

نظرية التطور تقف عاجزة أمام سر الخلق!


إن علماء التطور يطلقون على عملية تطور الكائنات الحية والميزات التي تتمتع بها والذكاء والتقنيات التي تمارسها هذه الكائنات للحصول على رزقها وتطور أدائها وتأقلمها مع البيئة المحيطة... مجموعة العمليات هذه يطلقون عليها "الاصطفاء الطبيعي" وحبذا لو نطلق عليها "الاصطفاء الإلهي" فالله تعالى هو الذي يصطفي هذه المخلوقات ويفضل بعضها على بعض وهو الذي يزودها بأساليب الحصول على الرزق.

وهو القائل: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]. ولو كانت عملية التطور تتم عشوائياً وبالمصادفة لما رأينا هذا الإتقان في الخلق، وأكبر دليل على ذلك أن العلماء وعلى الرغم من التقنيات المتطورة التي استخدموها في عمليات الاستنساخ، لم تنجح أي عملية استنساخ بشكل كامل!

فإما أن يكون الجنين مشوهاً، أو لا يعيش طويلاً أو يولد وعليه علامات الشيخوخة... فكيف استطاعت الطبيعة التحكم بالعمليات الدقيقة التي تحدث في أعماق الخلايا (في المورثات أو الجينات) دون أي خطأ أو خلل وعلى مدى ملايين السنين؟

إن الذي يتأمل النملة مثلاً يجد أن لديها تقنيات تتفوق فيها على الإنسان! فالنملة مهندس بارع في بناء المساكن وتجهيزها لتؤمن الراحة والسكينة لأفراد النمل. والنملة لديها تقنية الاتصال الذكي حيث ترسل موجات كهرطيسية تتخاطب بها مع النملات لتنظيم حركة المرور!

والنملة تقوم بجميع الواجبات من رعاية للصغار وحراسة للمسكن ودفن للموتى في مقابر خاصة وتشن الحروب والغزوات وتأتي بالعبيد وتسخر الحشرات الصغيرة لخدمتها... كل هذه العمليات الذكية تقوم بها النملة باستخدام دماغ أصغر من رأس الدبوس، فكيف تقوم بذلك؟

إن نظرية التطور تقف عاجزة أمام مثال النملة، فكيف لو تأملنا بلايين المخلوقات مثل الفراشات التي تمارس فنّ التمويه الذكي، والحيوانات التي تتقن فن الدفاع عن نفسها وأساليب الهجوم والقتال؟ كيف لو تأملنا النحلة التي تمارس عمليات معقدة جداً لصناعة العسل، وكيف لو تأملنا الفيروس الذي يحتال على الخلايا بل ويسخرها لخدمته ولغذائه وتكاثره؟؟!

فإذا كانت نظرية التطور عاجزة عن تفسير أسرار متعلقة بعالم الحشرات والبكتريا والفيروسات... فماذا نقول بالنسبة للإنسان ... أكثر المخلوقات تعقيداً على وجه الأرض؟ إن العلماء لم يعرفوا حتى الآن سر الأحلام وسر الروح وأسرار النوم وأسرار النطق واللغة. ولم يدركوا بعد سبب وجود الإنسان على هذا الكوكب.

وعلى الرغم من التقدم العلمي الكبير، يعترف العلماء بعجزهم عن فهم هذا المخلوق المحير "الإنسان"! لا يعرفون حتى الآن من الذي يحرك خلايا الدماغ والقلب، ومن الذي يجعل القلب ينبض بهذا النظام، ومن الذي يشرف على عمل تريليون خلية في الدماغ! ومن الذي ينظم عمل أجهزة الجسد فلا يحدث خطأ أو خلل أو مشكلة!

وأقول يا أحبتي: بالله عليكم إذا كان العلماء عاجزين عن فهم سرّ الروح، فكيف يدّعون أن نظرية التطور تفسر وجود الإنسان على الأرض؟ ونقول إن القرآن يجيب عن كل التساؤلات التي طرحها الإنسان على عكس نظرية التطور التي عجزت عن مئات الأسئلة. لقد لخص القرآن لنا قصة الخلق بكلمات رائعة، يقول تعالى عن نفسه: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة: 6-9].

ولذلك نحن لا ننكر أن تكون الحياة بدأت على الأرض قبل مليارات السنين ومرت بعمليات اصطفاء معقدة وطويلة، ولكننا نقول إن هذه العمليات تمت بإشراف مباشر من الله تعالى، وكل ذرة من ذرات الكون لا تتحرك إلا بأمر الله وقدرته، فهو القائل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59].

ونحن لا نعترف بسلسلة المخلوقات التي تحددها نظرية التطور (أي البداية من خلية ثم مجموعة خلايا ثم مخلوق بسيط ... وهكذا وصولاً إلى الإنسان)، لأن هذه الأمور غيبية ولا يمكن معرفتها على وجه اليقين، ولكن لا يمنع أن نقرأ وننتقد ونحاول أن نفهم التطور على أساس قرآني، وليس على أساس إلحادي.

ونقول إذا أصبح التطور حقيقة يقينية (نراها بأعيننا ولا نشك فيها أبداً) عندها يمكن أن نفهم النص القرآني من جديد، فالقرآن أخبرنا بأن الله خلق الإنسان من تراب، ولكن لم يفصّل لنا عملية الخلق وكم استغرقت من الزمن وما هي المراحل التي مرت بها... ولذلك لا ينبغي أن نعتمد "نظرية" في فهم القرآن وبخاصة إذا كانت هذه النظرية ناقصة ومرتبكة ومشوشة!


هذه نملة منذ قدومها للحياة خُلقت وهي تعرف كيف تقبض فكَّيها على الفريسة بسرعة تفوق سرعة فك التمساح! في دماغها كل البرامج والمعلومات التي تضمن لها رؤية الفريسة ومطاردتها وتحديد الزاوية المناسبة للهجوم وتحديد مكان الفريسة بدقة وتحديد اللحظة المناسبة للانقضاض عليها والإمساك بها... إن هذه النملة تعتبر كافية لنقض المصادفة المزعومة وإبطال كل النظريات الإلحادية من جذورها!

ونلخص هذا البحث بنقاط محددة:

1- إن نظرية التطور تحوي بعض الصواب وفي معظمها لا تتفق مع القرآن الكريم وبخاصة ما تحويه من أمور غيبية.

2- إن وجود سلسلة من الكائنات ووجود تشابه في الخلايا والجينات ووجود تسلسل منطقي وتدرجي في المخلوقات... هذه أمور لا شك فيها، وهي تتفق مع القرآن الكريم فالله تعالى قدّر كل شيء بنظام محكم، يقول تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)[الفرقان: 2].

3- يجب أن يبقى خلق الإنسان بمعزل عن هذه النظرية وتتم مناقشته في نظرية مستقلة، لأن الإنسان مكَّرم ومفضَّل على كل المخلوقات، والله اختصه بأنه "صنعه بيديه، ونفخ فيه من روحه" يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].

4- لا يوجد تناقض بين العلم والقرآن، وكل ما يقوله الملحدون حول ذلك غير صحيح، فالانتقادات التي يطلقها هؤلاء المشككون ويدعون فيها أن القرآن لا يتفق مع العلم، هو مجرد وهم لا أساس له، لأن نظرية التطور تعاني من نقص كبير في المعلومات. فهي لا تخبرنا كيف نشأت الخلية الأولى، ومن الذي أنشأها.

كذلك لا تخبرنا كيف يحدث التطور من كائن لآخر وفق قفزات ولماذا يتم ذلك؟ وهذه النظرية لا تخبرنا متى نشأ الإنسان وكيف وأين ومن الذي أنشاه، وكيف تطور عن مخلوق آخر...

5- حتى يتم اكتشاف "حقيقة التطور" وليس "نظرية التطور" نقول: لا مانع من دراسة هذه النظرية ومحاولة تطويرها وتصحيحها، والاستفادة منها. وحبذا لو برع علماؤنا المسلمون بذلك، معتمدين على القرآن والسنة المطهرة.

6- من خلال أبحاث الإعجاز العلمي نرى بأن العلم عندما يتوصل إلى حقيقة يقينية نجد التطابق الكامل مع كتاب الله تعالى، وعندما يكتشف العلماء حقائق يقينية عن التطور، سوف نجد التطابق الكامل مع آيات القرآن الكريم.

7- إن نظرية داروين ببساطة هي مجرد نظرية بيولوجية توفر أفضل تفسير يشرح التنوع الذي نراه حولنا في الكائنات الحية، إذاً هي محاولة للتفسير وليست حقيقة علمية. وإنني أعجب من هؤلاء العلماء الذين يعتقدون بالمصادفة ويؤمنون بالطبيعة، لماذا لا يؤمنون بأن الله تعالى هو الذي خلق العالم؟ وكيف يؤمنون بالطبيعة العمياء التي لا تضر ولا تنفع، ويتركون الواحد القهار سبحانه وتعالى؟

وهنا أتذكر معكم ما قاله سيدنا يوسف عليه السلام مخاطباً الملحدين في عصره وهو في السجن عندما قال لهم: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف: 39]. فالإنسان العاقل ينبغي أن يفكر قليلاً ويطرح الأسئلة: هل يمكن أن يحدث كل ما نراه حولنا بالمصادفة؟

وأخيراً نتمنى من علمائنا المسلمين الذين تخصصوا في العلوم الحيوية والطبية أن يحاولوا وضع "نظرية تطور إسلامية" تتفق مع القرآن والسنّة، ولا ننتظر الآخرين حتى يكتشفوا ويضعوا النظريات. فنحن لا ننكر التطور، ولكن ليس التطور القائم على المصادفة والعشوائية، بل التطور الذي القائم على إرادة الله وقدرته وعلمه، وينبغي أن نعلم أن كل ذرة من ذرات الكون لا تتحرك ولا تهتز إلا بقدرة الله تعالى، فكيف بكائن يحتوي على تريليونات الخلايا وهو الإنسان، يقول تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟)... والله أعلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
UA-39827868-2